أسئلة و أجوبة حول أساسيات نظرية التطوّر - الجزء الأول



تحدثت فى المقالة السابقة عن تاريخ نظرية التطوّر منذ أن وضّح مفاهيمها الفيلسوف الكبير أناكسيماندر مرورا بكيفية تخيّل الفيلسوف الكبير أرسطو لها و كيف وضع أسسها التى إستمرت تقريبا إلى وقتنا هذا مع تغيير الصياغه لتتواكب مع المكتشفات العلميه و المستحاثات التى تم إيجادها و التى تبرهن بدليل قاطع على أن نظرية التطوّر حقيقة وصولا إلى تشارلز داروين الذى نشر الأطروحه العلميه الخاصه بإثبات نظرية التطوّر و التى عرفت فيما بعد بنظرية النشوء و الإرتقاء تبعا لما وضعه من أسس نظرية تعتمد على نشوء أنواع جديدة بفعل التطوّر مما يؤدى إلى إرتقائها فى سلسلة الكائنات الحية, و لكن هذا كله كان مبنى على قاعدة واحده و هو البقاء للأصلح أو أن الكائن الذى تتوافر فيه شروط مواكبة المتغيرات التى تبثها الطبيعه فى جيناته هو الكائن الوحيد القادر على البقاء و الحفاظ على نوعه من الإندثار , و لكن كيف يحدث هذا ؟ و ما هى هذه الشروط الواجب توافرها فى الكائن ؟ و كيف يتواكب الكائن مع ما يحدث له من متغيرات عضويه و جينية تجعله مختلف عن الآخرين ؟ , هذا ما سنكتشفه فى الجزء الثانى من مقالات نظرية التطوّر و المسماه بـ (أسئلة و أجوبة حول أساسيات نظرية التطوّر).

كيف يحدث التطوّر فى الكائنات ؟ يحدث التطوّر فى الكائنات الحية نتيجة تأثير عاملين مهمّين جدا , العامل الأول هو كمية الموارد الموجودة فى البيئه المحيطة و اللازمة لبقاء الكائن الحى لإعتماده التام عليها , أما العامل الثانى هو عدد الكائنات الحية الموجودة فى بيئة ما , و بمقارنة الإثنين سويا نجد أن النتيجة الحتميه لهذه المعادلة هى حدوث شئ من ثلاثة إحتمالات الإحتمال الأول هو وجود موارد بيئية تكفى الكائنات الحيه المنتفعه بها و التى تتقلص عبر الزمن و هو ما يؤدى إلى الإحتمالين الآخرين نتيجة نقص الموارد و زيادة العدد المنتفع , فتحدث النتيجه الثانية و هى إنقراض النوع تماما أو تحدث النتيجة الثالثة و هى وجود بعض الأفراد من هذه الكائنات و التى تستطيع التعوّد على التعايش مع نقص الموارد (تكيّف) و من هنا تبدأ نظرية التطوّر فعليا , فعند ظهور أفراد قادرين على التعايش مع قلة الموارد (السلف) يحدث تغيّر جينى يؤدى إلى توريث هذه الصفة إلى الأجيال الجديدة (إنسياب الموروثات) فى محاولة للتكيّف مع البيئة مما يؤدى إلى ظهور أفراد جديدة تختلف جينيا إلى حد ما عن السلف الأصلى (إنحراف وراثى) , وهو ما يؤدى أخيرا كنتيجة لتراكم كل هذه العمليات الجينية داخل الأجيال الجديدة إلى طهور أنواع جديدة مختلفة تماما عن النوع الأصلى (إنتواع)

هل هناك فائدة لهذا الإنتواع الحاصل على الكائنات ؟ بالتأكيد له فائدة مهمه جدا فهو يعتبر المصدر الوحيد للتنوع البيولوجى للكائنات على كوكب الأرض و هو ما يحدث نتيجة الإصطفاء الطبيعى الذى يتضمن عقبات مثل التكيّف مع البيئة و التكيّف الجنسى للمحافظة على النوع من الإنقراض و لا يجب أن ننسى الإنحراف الوراثى الذى يؤكد صلات القرابة مع السلف المشترك , فتقوم هذه العمليات بالتأثير على التنوّع الجينى الحاصل فى النوع الواحد عن طريق الطفرات و إنسياب الموروثات , و كنتيجة لكل هذه المعوقات تعتبر عملية الإصطفاء الطبيعى أكثر العمليات المتعلقه ببقاء النوع القادر على مواكبة التغيّرات تعقيدا بخلاف ما هو شائع أنها عمليه عمياء.

و لكن هل الصدفة هى السبب الرئيسى فى التطوّر ؟ بالطبع لا فهذا مفهوم خاطئ تماما فبالنظر للنظرية الداروينية نجد ملاحظات تشارلز داروين فى هذه النقطه تقول أن حجم أى تجمّع للكائنات يتعلق بشيئين العدد المتواجد و الموارد التى يعتمد عليها هذا العدد فى البقاء , فيجب أن يكون هناك تكافؤ بين حجم التجمع و الموارد المتاحه لبقائه لكى يستطيع التجمع أن يستمر فى وجود شرط بقاء التجمع على نفس العدد على مر السنين , و هو ما يختلف واقعيا مع قدرة الكائنات الحية على إنتاج عدد كبير من النسل أكبر من قدرة الموارد البيئيه على إعالته و بالتالى لن يستطيع كل الأفراد النجاة , و هو ما يعمل على تغذية الصراع التنافسى بين الكائنات الحيه فى سبيل البقاء , و هو ما ينسف تماما فرضية تحكم الصدفه فى ذلك , لأن بقاء الكائن الحى هنا يتعلق بالإختلافات الجينية التى تعزز أو تضعف من فرص بقائه و تكاثره , و هنا يستطيع الأفراد القابلين على التكيف فى إنتاج نسل أكثر عددا من الأفراد الغير قادرين على التكيّف , و بالتالى تختفى الإختلافات التى تعيق عملية البقاء و التكاثر فى الأجيال الجديدة , و هو ما يكون مناسب تماما للإختلافات التى تعزز من فرص البقاء و إنتاج نسل جديد فى التراكم داخل الأجيال الجديدة و هو ما يطلق عليه علميا (عملية الإصطفاء الطبيعى).

و لكن كيف بدأت الحياة على الأرض ؟ فى الحقيقة هذا السؤال يعد من أكثر الأسئلة الشائكة المرتبطه بنظرية التطوّر نتيجة إخلاله بمبدأ هام جدا ألا و هو مبدأ الخلق (بالنسبه للديانة الإسلامية) أو حتى نظرية التصميم الذكى (بالنسبة لباقى الديانات) , و لكن عمليا هو يعتبر من أسهل الأسئلة بخصوص نظرية التطوّر فلكى نستطيع الوصول لبداية الحياة على كوكب الأرض يجب أن نعرف أن هذا يتطلب نوع من عمليات التخليق و التوالد تسمّى بـ (التخلّق اللاحيوى) و هى قائمة على نشوء مواد عضويه (تتطور لاحقا إلى كائنات حية) من تركيب مواد غير عضويه و هو ما تم تجربته معمليا عن طريق العالمين الكبيرين (هارولد يورى) و (ستانلى ميلر) أو ما يعرف فى الأوساط العلمية بتجربة (يورى و ميلر) و قد قام العالمان الكبيران بتجربة معملية لتحضير أحماض أمينية بسيطة بإستخدام المكونات التى كانت موجودة فى القشرة الأرضية قديما (الماء – المثيان – الأمونيا – الهيدروجين) و أقيمت هذه التجربة فى جامعة شيكاجو عام 1953 و هو ما حدث بالفعل فقد أستطاعا تخليق كل مكونات الحياة البدائيه للكائنات وحيدة الخليه مثل (اليوريا – الفورمالدهيد – سيانيد الهيدروجين – قواعد و أحماض أمينية تشبة سلاسل البروتوبلازم)  و هو ما إذا أضفنا إليه تجربة (PAH) و التى تقول أنه إذا أمكن وجود هذه المكونات العضويه بالإضافة إلى وجود الطاقة فإنه ينتج الكثير المركبات العضويه القابلة على التطوّر بيولوجيا على مدار ملايين السنين و ظهور أشكال أكثر تعقيدا من المركبات العضوية مثل DNA و البرتينات و التى تعتبر العامل الأساسى فى تكوين الكائنات الحية بما فيها الفيروسات.

و لكن هل عمر الأرض بهذه المده الكبيره لكى يسمح للتطوّر البدائى بالحدوث ؟ بالتأكيد عمر كوكب الأرض يسمح بحدوث هذا التطوّر البدائى فعمر كوكب الأرض يقترب من 5 مليارات سنة و بالتحديد (4.54 × 109 سنة  ±1%) وهو ما تم تأكيده بطريقتين الطريقة الأولى هى طريقة القياس الراديو مترى أو مقياس كثافة الطاقة الإشعاعية وهو ما يتم عن طريق قياس معدّل تآكل أنوية ذرات معينة أو بمعنى آخر معدّل تحوّل العناصر المشعة مثل (النظير المشع للكربون – اليورانيوم – البوتاسيوم المشع –الروبيديوم) إلى نظائرهم الغير مشعة مثل (الكربون الطبيعى – الرصاص – الأرجون – الأسترونشيوم) , و الطريقة الثانية التى تم التأكد من عمر الأرض بها هى مقياس الزمن النسبى أو دراسة الأصول و السلالات عن طريق توثيق الإثباتات الموروفولجية (علم التشكّل للتكيّف) الواضحة و الموجودة فى السجلات الأحفورية للهياكل العظمية المكتشفة.