نظرة على تاريخ نظرية التطوّر




من أشهر نظريات العلم البيولوجى نظرية التطوّر , تلك النظرية الغامضة التى يدافع عنها البعض و يستميت البعض فى نفيها , و لكن ما هى نظرية التطور ؟ و هل ما نعرفه عنها صحيح أم أنها مجرد نظرية لا أساس لها من الصحة ؟ , و كيف تطورت الكائنات الحيه كلها من كائن واحد ؟ , و العديد و العديد من الأسئلة تدفعنا للبحث عن نظرية التطوّر خصوصا أن هناك قطاع كامل من علماء البيولوجيا ينفونها إعتمادا على ما قرأوه فى الكتب الدينية من نظريات تدّعى وجود تدخل إلهى فى عملية خلق الإنسان , و هو ما يتناقض مع قطاع آخر من العلماء يؤكدون نظرية التطوّر و مقتنعين بها نتيجة وجود إثباتات علمية و فلسفية عديدة  تدعم النظرية , بل و تدحض (من وجهة نظرهم) نظريات التدخل الإلهى فى الخلق , و بناءا عليه ققرت القيام برحلة لإستكشاف هذه النظرية من جانب حيادى و البحث فى أشهر الأسئلة المتعلقه بها.

فكرة نظرية التطوّر حقيقة ليست حكر على تشارلز داروين كما يدعى البعض بل و ليس هو مؤسسها بالأساس , بل إنها تعود إلى زمن الفلاسفة الإغريقيين أناكسيماندر و أيمبيدوكليس حيث إتفقا على أن بعض الكائنات الموجودة قد تكون تطوّرت (أتت) من نتاج كائنات أخرى , فالفيلسوف إيمبيدوكليس كتب أفكاره فى هيئة منظومات شعرية منها ما يتحدث عن أرائه الفلسفيه (قصيدة تطهيرات) و منها ما يتحدث عن شرحه لسير الكون و أصل الحياه فيه و كيف أن الحيوانات الموجوده فى عصره أتت من نسل حيوانات أخرى (قصيدة عن الطبيعة) , و فيها شرح أيمبيدوكليس أرائه فى تاريخ الكون و شرح العناصر الأربعة (نظريته الشهيره) و الظواهر الأرضيه و العمليات الحيوية , أما أناكسيماندر فقال أن الحيوانات الموجوده فى عصره خرجت من البحر منذ زمن بعيد و أن الحيوانات الأولى ولدت داخل اللحاء الشوكى , و بتقدّم الحيوانات فى العمر فـ إن اللحاء الشوكى يجف و يتحطم و بعد إنقشاع عصر سادته الرطوبة الشديدة تكونت الأرض الجافة و التى كانت السبب فى تطور الحيوانات إلى الهيئات البشرية.

ثم طوّر الفيلسوف الكبير أرسطو نظرتهما العلمية للتطوّر و أضفى عليها نظرة فلسفية حيث كانت نظرة أرسطو لكل الطبيعة على إنها تحقيق مثالى لإحتمالات طبيعية ثابته لا تتغير فيما يعرف بالأنواع المتغيره , و هذا كان جزء من رؤيته للطبيعة حيث أنه كان يرى أن كل شئ فى الطبيعه إنما له دور مرسوم و محدد فى نظام كونى ثابت , ثم أتى الفيلسوف الرومانى لوكريتس و أضفى فكرة إحتمال حدوث تغيرات تطوّرية على الكائنات الحية , و نتيجة منطقية الآراء و النظريات الفلسفية حول الموضوع فقد أدى ذلك إلى أن كبار كهنة العصور الوسطى بتبنّى صيغ مختلفة للفكرة العامة الناتجة من دمج الأفكار و النظريات , و ضمّها إلى تعاليم الديانة المسيحية مع إضفاء صبغة إلهيه عليها.

و لكن أتى العلم الحديث فى مطلع القرن السابع عشر و إختلف مع رؤية أرسطو , و كان لابد من البحث عن تفسيرات لظواهر طبيعية بما يتناسب مع قوانين الطبيعة , و التى كانت تنطبق على الأشياء المرئية كلها على حد سواء , و هو ما إعتمد على عدم الحاجة لإفتراض أى تصنيفات طبيعية ثابته أو حتى نظام كونى ثابت , و هنا ظهر العالم الكبير جون رى الذى إستخدم مصطلح (إنتواع) للإشاره إلى تصنيفات النباتات و الحيوانات , و لكن بخلاف أرسطو فقط تشدد رى فى إطلاق كلمة (نوع) على كل تصنيف من تصنيفات الكائنات الحية , و قال أن كل نوع قادر على الإحتفاظ بخواصه بل و يمكننا تمييز كل نوع من خلال هذه الخواص التى تدوم مع مرور الأجيال , و كان رى مقتنع أن هذه الانواع مصممة من قبل الإله , و لكن الإختلافات الحادثة ما هى إلا نتيجة لإختلاف الظواهر المحلية المؤثرة عليها , و هو ما إتفق معه كارولوس لينيوس حيث أقر أن كل الأنواع ثابته بموجب تدخل إلهى يحفظها.

و هو ما إختلف معه بعض العلماء فى ذلك الزمان حيث أقرو فرضية الإنتواع التطوّرى عن الزمن وفقا للمتغيرات الناتجة قوانين الطبيعة الثابته, فكان أشهر من كتب عن ذلك هو موبرتيوس حيث أصدر أطروحة تتحدث عن تغييرات طبيعية تحدث خلال التكاثر و تتراكم عبر الزمان فى الأجيال اللاحقة , و هو ما يؤدى بالضرورة إلى إنتاج أنواع جديدة تختلف إلى حد كبير فى صفاتها و خواصها مع الأنواع الأصليه, و هو ما أقره بوفون فى أطروحته حيث تحدث عن تحوّل أشكال معينة من الكائنات الحية إلى أنواع أخرى نتيجه تطوّر الصفات و تراكمها عبر الأجيال , و هنا ظهر صاحب نظرية التطور الحقيقى و هو (إراسموس داروين) , حيث أصدر أطروحة علمية يتحدث فيها عن فرضية تطور كل الحيوانات ذات الدم الحار من كائن حى مجهرى واحد , و هو ما دعا العالم الكبير جان لامارك بوضع أول نظرية كاملة عن التطور و سميت حينها بنظرية تحوّل الأنواع , و التى تصور فيها أن هناك نوع من أشكال الحياة البسيطة تطور من خلال التوالد الذاتى , و هو ما يؤدى إلى تعقيدات الأجيال الجديده من حيث الصفات و هو ما يؤدى إلى ظهور سلالات متوازية بنزعة تقدمية فطرية, و أن هذه السلالات على المستوى المحلى تتكيف مع المحيط عن طريق وراثة المتغيرات المستمرة التى يسببها عدم إستعمال الميزات و الخواص المستحدثه من جيل الأباء.

و بسبب هذه الفرضيات أصر بعض علماء التاريخ الطبيعى الرافضين على أن فرضية لامارك تفتقد للتأييد العلمى , و كان من أشهر هؤلاء العلماء جورج كوفييه الذى أصر على أن كل الأنواع ما هى إلا أنواع مختلفه ثابته ليست ناتجه من أى نوع من أنواع التطور , و التشابهات فيما بينها ما هى إلا مرآة تعكس التصميم الإلهى الواحد الذى يخدم الحاجات الوظيفية لكل نوع , و هنا ظهر فرع آخر من العلماء من أشهرهم ويليام بيلى الذى طوّر أفكار جون رى عن التطوّر و التدخل الإلهى و الذى إقترح أن التعقيدات الناتجة من التكيف مع البيئة دليل على التصميم الإلهى , و أعجب تشارلز داروين بالنظرية المطروحة , و حاول دمجها مع نظرية سَلفه إراسموس داروين فـ أصدر منظور جديد خاص به يجمع النظريتين فيما يسمى بفرضية الإصطفاء الطبيعى للأنواع.

إن فرضية الإختيار الطبيعى للأنواع هى الأساس الجوهرى لنظرية داروين الشهيره و التى صاغها فى كتابه (أصل الأنواع) و التى وصفها قائلا أن الإنطلاق الرئيسى للتغير فى الأنواع سببه الإختيار الطبيعى للأنواع القابلة للتكيف مع المتغيرات و القادرة على التطوّر لمواكبة المتغيرات المستحدثة , و التى يمكن إختصارها بجملة (الأنواع القادرة على الصراع من أجل البقاء) بحيث تستمر التنوعات المتوافر فيها هذه الشروط فيما تندثر باقى الأنواع تدريجيا , ثم قرر عرض دراسته مع دراسة الفريد راسل والاس على الجمعية اللينية بلندن, و هو ما إعترضت عليه الجمعية نتيجة مخالفتها لتعاليم الكتب المقدسة بالأساس و هو ما أسندوه إلى الإفتقار الشديد إلى الدلائل و القرائن التى تؤكد ذلك, ثم قرر داروين إطلاق كتابه (أصل الأنواع) بحيث يستطيع شرح نظريته بإستفاضة لتوضيح وجهه نظره, و هو ما لاقى قبول واسع جدا مما دعا الكثير إلى تأييد التطور الداروينى, و هو ما دعا توماس هنرى هكسلى لتطبيق أفكار داروين و إسقاطها على البشر إستنادا إلى علم الأحياء القديمة و علم التشريح المقارن من أجل دعم نظرية داروين و تقديم دليل على أن البشر و القردة لهم سلف مشترك, مما جعل العديد من العلماء و الفلاسفة ينزعجو من هذه الفكرة لكونها تسقط المنظور الدينى للإنسان و أن له مكانة خاصة و مميزه فى هذا الكون.