أسئلة و أجوبة حول أساسيات نظرية التطوّر - الجزء الثانى



تناولت فى المقال السابق بعض أهم الإسئلة البدائية حول نظرية التطور و سأكمل فى هذه المقاله شرح بعض الأسئلة المتعلقه بماهية العمليات الحيوية المؤثرة على التفاعل بين الكائنات الحيّة و الآليات الفعّاله فى حدوث التطور للوصول إلى ما يُعرف بـ (الكائن المتطوّر).

من أحد أهم الأسئلة التى لا يعرفها الكثير منّا حول نظرية التطور أن الجينات الوراثية ليست مسئولة بنسبة 100% عن حدوث التغيّر الجينى و إنتواع الكائنات الحية , بل الوراثة تلعب جزء لا يتعدّى 40% من عملية التطوّر , لإن العملية الوراثية تعتمد على آليه واحدة فقط و هى إنسياب الجينات و هو ما يؤدى إلى توريث بعض السمات الموجودة فى السلف إلى السلالة , مما يعمل على تحديد شكل الكائن الحى الناتج بسمات تختلف بنسبة ضئيلة عن السلف , و لكن هذا التغيير يكون فى العادة مؤثر بنسبة بسيطة فى العمليات الحيوية الموروثة , و على سبيل المثال مثل ما يحدث فى إنتقال الجينات الوراثية لأب مريض بالتسفّع (مرض إسمرار لون الجلد أو إكتسابه لون داكن نتيجة التعرض للآشعة الفوق بنفسجية مما يؤثر على الخلايا المنتجة للصبغة فى الجلد) , و أم غير مريضة بهذا المرض ينتج عنه أولاد غير مصابين بخلل المادة الصبغية فى الجلد و لكن مصابين بخلل جينى آخر ينتج عنه تفاوت التأثير بالشمس.

و لكن كيف يحدث هذا الإنتقال الجينى بين الأجيال ؟ يحدث الإنتقال الجينى بين الأجيال نتيجة إنتقال جزيئات الـ DNA (Deoxyribonucleic acid) و التى عادة ما تحتوى على التعليمات الجينية مُخزّنة فى النيوكليدات الأربعة الموجودة المرتّبة داخل ما يعرف بالكروموسوم , و يعتمد إنسياب الجينات الوراثية على ترتيب هذه النيوكليدات فى كل جزئ DNA , و أى تغيير فى هذا الترتيب يعمل على ظهور إختلافات سلوكية أو بيولوجيّة جديدة فى الكائن الحى الجديد أو ما يسمى بالإنتواع الداخلى و هو يختلف عن الإنتواع العام بشكل كبير حيث أن الإنتواع العام يحدث فقط نتيجة تراكم هذه التغييرات الجينية على مر الزمان بالإضافه إلى التأثر بالعوامل البيئية المحيطة مما قد ينتج عنه نوع جديد يختلف عن السلف الأصلى تمامًا لكى يتناسب مع البيئة الجديدة , و فى بعض الأوقات قد يحدث نتيجة تغيير هذا الترتيب ما يُسمّى بالطفرة.

ماهو تأثير هذه الطفرات ؟ عندما تحدث الطفرات عادة ما تكون غير مؤثرة بصفة كبيرة أو مجايدة بنسبة (20%) و لكن أغلب الطفرات التى تحدث يكون لها تأثير عكسى أو ضار مثلما تمت التجربة على ذبابة الفاكهة و التى أثبتت أن الطفرات قد تعمل على إيقاف الجين تمامًا عن طريق تداخل الأحماض الريبية بنسبة (70%) , و هو ما يجعل نسبة (10%) متبقية للإحتمال الأخير و هو حدوث طفرة إيجابية فى الجين مما ينتج عنها تغيير جذرى فى البروتين الناتج عن الجين مما يؤدى إلى وجود صفة جديدة غير موجودة فى السلف الأصلى.

هل هناك عمليات أخرى مؤثرة على حدوث التطّور ؟ بالتأكيد هناك العديد من العمليات الحيوية البيولوجية المؤثرة و منهم على سبيل المثال عملية إختلاط الأنواع مما يسبب إنتواع جينى ينتج عنه نوع جديد يحمل صفات النوعين الأصليين و لكن مع وجود إختلاف بنسبة 50% فى العمليات البيولوجية , مثلما يحدث فى عملية التهجين الوراثى , و هو ما ينتج عنه نقل المعلومات الوراثية من كائن حى إلى آخر ليس من سلالته مما ينتج تعديل جذرى فى السلالة الناتجة , و هو يعتبر إحدى أهم الوسائل المستخدمة فى العلاج حيث يتم الإعتماد على دراسة تأثير فيرس معيّن أو بكتيريا على الجينات و مدى إكسابه للجينات القدرة على مقاومة المضادات الحيوية مما يساهم فى إنتاج دواء يُبطل مقعول مقاومة الجينات و نشر المقاومة الخارجية (الدواء) للقضاء على الفيرس أو البكتيريا المسبب للمرض.

و لكن كيف حدثت عملية التطوّر التى ساعدت على مثل هذا الإنتواع الحادث فى وقتنا هذا بين الكائنات ؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف بدقة ما يُسمّى بـ (الإصطفاء الطبيعى / Natural Selection) لأنه هو العامل الوحيد الذى ساهم بنسبة 60% من إتمام عملية التطور , فالإصطفاء الطبيعى عبارة عن تراكم التغييرات الجينية نتيجة العديد من العوامل المؤثرة على الأنواع على مر الأجيال مما يؤدى إلى وجود نوع جديد فى بيئة مختلفة نسبيًا عنه مما يؤدى إلى وجود مجموعة من هذا النوع قادرة على التعايش مع هذه البيئة الجديدة مما يؤدى إلى إستمرار المجموعة الوحيدة التى إستطاعت التعايش فى هذه البيئة.